بماذا أنصح شاباً عشرينياً يعمل ويدرس، لكن يعاني من عدم الالتزام؟

يشتهر بيل غيتس (أو بيل بوابات حسب احد فصول مقدمة ابن خلدون الحديثة) بمقولة هي أنه سيختار الأكسل (من الكسل وليس من برنامج الإكسال) عندما يتعلق الأمر باختيار المهام وايكالها. لانه سيجد اقصر الطرق واكفئها لفعل ذلك. لكن الكسالى العرب ممن يتكئون على هذه المقولة نسوا حقيقتين هما:

  • ان الكسول المقصود قد اجتاز بالفعل مقابلة عمل مايكروسوفت. وبالتالي فان له مميزات يندر ان تجدها في سائر البشرية
  • ان الكسل هنا مقصود به غالبا الكسل البدني اما العقلي فلا لان ايجاد اسهل الطرق واكفئها يتطلب عقلا نشطا جدا

من هذه البداية وكما سنتحدث فيما بعد يعتبر “طرح الأسئلة الصحيحة” من وجهة نظري احد اهم الادوات المعرفية التي يتوجب على العشريني العربي ان يعرفها ويتقنها لان طرح الاسئلة الخطأ (وهذا غالبا ما يحدث) يضيع الوقت ويدمّر المهارات ولا يؤدي إلى أي طريق.

بعد أن نشرت مقال: ما الذي أنصحُ به شاباً عمره 17 ومقبل على دراسة الطب؟ (تم تحديث المقال) كتب (سائل اخر) في تعليق ما يلي كسؤال:

شكراً لك على إجابتك على سؤاله، وأتمنى أن لا أكون أزعجك بسؤالي التالي، لكن قلت طالما أجبت على أحدهم قد تملك إجابة شافية لسؤالي.

بماذا تنصح شاباً عشرينياً وهو منخرط في جانبي العمل والدراسة. ولكنه يعاني مشكلة إلتزام تهدد مسيرته في السلكين العملي والأكاديمي؟ الاستسلام وبيع القضية لديه أسهل من شربة ماء، ويفضل شراء راحة باله مهما غلا الثمن.

وهذا ما سنحاول الاجابة عليه هنا، وبعد تفكّر وجدت ثلاثة نقاط يمكنها ان تحقق المطلوب باذنه تعالى:

1- الهندسة العكسية للادمان:

غالبية العشرينيين العرب يحبون أن يصبحوا قراصنة رقميين أو يدعّون بانهم كذلك من هنا لن يكون مصطلح الهندسة العكسية غريبا عليهم جدا. لكنهم للاسف يتغافلون عن فائدة هذه الفكرة او الاداة المعرفية في صندوقهم الذي يملكونه فوق أكتافهم: الدماغ البشري.

إن معاملة عقلك كبرمجيات (سوفت وير) بحيث يمكنك تثبيت البرامج والادوات الجديدة فكرة محفزة بالفعل وجيدة وقد استثمرها الكثيرون في كتب تنمية الذات. تعتبر كتب تنمية الذات انطلاقا من هذه الفكرة برمجيات مفيدة في الغالب لتطوير نفسك إلى نسختها الثانية؛ من هنا انصح بكتاب (انسان بعد التحديث) للكاتب شريف عرفة.

وبمعرفة ذلك؛ تعتبر الهندسة العكسية للادمان هي ان نعكس آلية الادمان  فنجد امامنا الانضباط والالتزام وهي في نظري تتم كالتالي:

  • اكتب ثلاثة امور انت مدمن عليها: مثلا مسلسل انيمي، الكافيين ومتابعة كرة القدم.
  • امسك كل عنصر على حدا واطرح فيه عشرة اسئلة متعددة الطبقات، وماذا نقصد بمتعدد الطبقات يعني كل مرة تطرح سؤال بعد الاجابة على السؤال الاول مثلا. لماذا احب ون بيس؟ لان الرسم جيد والقصة محبوكة بامتياز. لماذا الرسم جيد والقصة محبوكة بامتياز؟ الاول لان الاستديو تبعها متفوق في عمله والثانية لان اودا هو المؤلف. من هو اودا؟ بحث عن سيرته الذاتية … الخ

ما الفائدة من مثل هذه الاسئلة؟ اولا انها تعرفك على جوانب من نفسك لم تكن لتعرفها. قد تقول كيف ذلك، اذا اخذنا السؤال اعلاه مثلا لما وصلنا الى من هو اودا وتقرا سيرته الذاتية وبالضبط في سنواته العشرينية ستجد الكثير مما يلامسك. ولماذا يلامسك؟ لانك مدمن على منتجه، كل الامور مترابطة في الحقيقة مع انك ستقضي وقتا طويلا في اكتشاف هذه الحقيقة.

هذه الأداة يعني ايجاد ثلاثة أشياء وطرح عشرة اسئلة ثم الاجابة عنها تؤديك إلى ما يلي عادة

  • الخروج بعدة معلومات مفيدة عن نفسك
  • معرفة المزيد عن السيرة الذاتية للناس الذين يهمك منتجهم
  • من هنا استخدام ما استخدموه للوصول الى الانتاجية العالية

قد يقول قائل ولماذا لا نقفز مباشرة الى نصح الشاب العشريني بقراءة السير الذاتية للناجحين. الامر خاطئ لان الشاب العشريني العربي غالبا لن يجد ما يلامسه في السيرة الذاتية للينكولن مع اتفاق معظم البشر انه انسان عظيم.

ان ارتباط “الاعجاب والمودة” رابط مهم لكي ينغرس في النفس ومن ثم يحفز على التطبيق، اضف الى فائدتين اخريين من هذه العملية شديدتا الاهمية وهما:

  • تنمية مهارة “الفضول المعرفي” فينشط العقل ولا يكسل
  • تنمية مهارة “طرح الأسئلة الصحيحة”

في الغالب معظم تلك الاسئلة التي سنطرحها ستؤدي بنا الى سير ذاتية ومعرفة امور لم نكن نعرفها من قبل لان الاعلام لا يسلط عليها الضوء كثيرا مثل شباب اودا على سبيل المثال او الحياة الذاتية لسيرة المدير المالي لنادي جوفنتوس الرياضي. وهكذا. اما ان كنت تحب رياضة التنس مثلا فلن تجد الكثير ومن هنا البحث والتنقيب مهم ونحن ننصح به انطلاقا مما تحب لانه يكون اسهل ولا يصبح “واجبا منزليا”.

كل هذه المعلومات ستشكلك لاحقا وتكون كيانك المميز وعقليتك الفريدة. حتى لو تم لقاء معك في المستقبل وسئلت بم تأثرت وحققت هذا النجاح لن تكون نمطيا وتقول ستيف أعمال او بيل بوابات على سبيل المثال.

بعد ايجاد ثلاثة امور ندمن عليها ونحللها عبر عشر طبقات من الاسئلة ناتي بورقة وقلم او تطبيق مفكرة في الهاتف ونكتب الحقائق وهي ما نستنتجه من تلك الطبقات العشر التي استكشفناها.

على سبيل المثال قد نخرج بحقيقة اننا نميل الى نوع معين من الانيمي والى ادارة معينة لكرة القدم يعني مثلا ربما ستكتشف انك تحب الفريق جراء عنصر معين فيه وما الى ذلك؛ هذه العناصر مهمة لانها مؤشرات على كيف يمكننا اعادة برمجة النفس على الانضباط والالتزام.

2- استعمل الأهداف التي تحقق في مدة زمنية متواصلة دون انقطاع أو stretch goals

هناك مصطلح بالانجليزية يسمى stretch goal وترجمته صعبة طبعا وهو يعني اجمالا” ان تنجز مهمة ما في مدة زمنية محددة دون انقطاع” بمعنى ان تستغل كامل الزخم لانجاز المهمة.

جربت هذه الطريقة لمدة طويلة من الزمن دون حتى ان اعرف اسمها وابدت نجاحا كبيرا. لا بد ان تقسم المهام الكبيرة لمهام صغيرة يمكن انجازها في مدة زمنية دون انقطاع وهكذا تدفع نفسك للمستوى القادم مع كل مهمة.

لنفرض مثلا أنك مصمم جديد وتتقن الكثير من الادوات الا ان اداة pen tool في الفوتوشوب لازالت تمثل لك مشكلة لانك لم تتقنها بشكل كاف. قضاء خمسة ساعات دون انقطاع في اتقانها ثم اتقانها مثال على الهدف المنجز دون انقطاع.

إن كان التخطيط يأخذ وقتاً طويلاً وفي النهاية سيحدث أمر لم يكن بالحسبان، فلم لا يتم اسثمار هذا الوقت في عيش اللحظة والارتجال بدلاً عن التخطيط؟

التخطيط من المفترض الا يأخذ وقتا طويلا التنفيذ هو الذي ياخذ وقت طويل وفيما يخص ‘سيحدث امر لم يكن بالحسبان’ فهذا سيحدث ولا شك لكنه ليس داعيا الى عيش اللحظة والارتجال لماذا؟ لان المخطط يتغلب على غير المخطط في غالب الأحيان وحتى لو غلب غير المخطط المخطط فسيكون صدفة ولن يستطيع تكرارها مرة اخرى. (مع ان هناك لبناني فاز باليانصيب الاماراتي اكثر من مرة! -الحياة غريبة).

لاحظ معي هذا المعنى الدقيق مشكلة الكثير من المخططين انهم لا يكتبون مخططاتهم بشكل واضح. لذلك فالاشياء لما تاتي بعدئذ تمحي كامل المخططات الذهنية لان العقل البشري يفكر بفكرة واحدة كل لحظة وليس بالعديد من الافكار يعني يمكنه التركيز لفترة محدودة فقط.

اذن الكتابة والتنسيق مهم جدا وان يكون الورقة او الملف (وافضل الورقة والقلم) امامك دوما.

أعرف شخصا صديقا لي كان يخطط لزراعة قطع ارض يكتريها ثم يربح من المحصول وقد تتبعت افكاره لمدة وظل عاما كاملا ولم يزرع شيء وذلك للاسباب التالية:

  1. لا يوجد مخطط ورقي او ملف الكتروني مكتوبة فيه كامل التفاصيل. مما يعني انك ستنسى الكثير من النقاط المهمة بمجرد ان ترى منشورا يحبطك على تويتر او يقولون لك ان فلان الذي يكرهك اتى من سفره بمعنى ان اي شعور طاريء سيمحي معلومة مهمة جدا في مخططك الذي (انا احفظه في راسي ولن انساه)
  2. لا يوجد وضوح مكتوب على شكل خطوات لاتخاذها للوصول الى الهدف.
  3. الشريك الذي اختاره غير مؤهل بالمرة وله عيوب منها التسويف والكذب ورسم الجنة في حائط متداعٍ

ولذلك بعد سنة و(الان سنتان ونصف ربما) لم ينجز شيئا وهو اجير لدى غيره براتب قليل جدا. وصديقه الشريك لا يزال يرسم له احلام اليقظة كلما التقاه دون اي فعل على ارض الواقع.

في مثل هذه الحالة قد تاتيك نوبة احباط تعلق فيها مشكلة فشلك في التخطيط على اي خبر سياسي او اجتماعي تراه وهي خدعة عقلية معروفة للاسف وهي تلتصق بالفاشلين والخاسرين كثيرا.

الحل المقترح

وضع مخطط تفصيل يفضل كتابته في ورقة وبقلم ويمكن الوصول اليه بسرعة وتعديله حسب الحاجة. مع وضع خطة ب ايضا وان امكن سي ووضع طرق الفشل وتجنبها يعني تكتب خمسة او ستة سناريوهات فشل وكيف ستواجهها ان حدثت.

تقسيم الخطة الى مراحل ونقاط صغيرة يمكن انجازها في تركيز مكثف على مدار اسبوع عمل او ما شابه

يفضل ان تعمل لوحدك على الخطط التي تستطيع تنفيذها بنفسك وفي حال الشراكة ان تختار شريكا بعناية. قضائك شهرا في اختيار شريك مميز افضل من السرعة في اختياره لانك متحمس لاطلاق مشروعك. (من تعليقي على حسوب).

3- عُدة العقلية: الادوات المعرفية اللازمة

لا بد ان تعيد تعاريف الاشياء بالنسبة لك. باختصار لا بد ان يكون لديك مباديء واضحة تجاه اهم الامور. مثلا لدي قانون شخصي ينص انني لا اصادق الكذابين. لا يهم مهما كان مستواهم العلمي او الاداري لكن ان كان كذبهم مستمرا وبلا دواعي لا يمكن ان اصادقهم. كتابة (الذهنية او الواقعية) لقوانينك الشخصية ضرورية جدا للوضوح.
من قوانيني الشخصية الاخرى مثلا (لا اهتم بالسياسة مطلقا) ولا ادخل مناقشاتها سواء سلبا او ايجابا خاصة في الانترنت.. انا اعطيك الامثلة كي يتضح الامر لك وصدقني. لو اخبرتك كم سيفيدك قانون واحد فقط طيلة ستة اشهر مثلا سيدهشك. عدم الانجراف في السياسة او المناقشات العقيمة حولها في النت بامكانه ان يجعلك تقرأ خمسين كتابا في تلك الفترة. او تمارس نشاطا لطالما اهملته. القوانين الشخصية ضرورية لوضوح الصورة.

بعد بناء القوانين لا بد ان تحتشد هذه القوانين والمبادئ حول قيم اخلاقية ما، دين، ايدولوجية. لو لم تملك واحدا لا بد ان تؤمن بواحد. كثيرون من رواد ورؤسو التقنية الكبرى يؤمنون بالكايزن –الزن- الفلسفة الرواقية. شخصيا كثير من مباديء الشخصية وقيمي رواقية تماما وحولها مبنية قوانيي الشخصية

وفي الحقيقة لا بد ان تبني كونك من الصفر في هذا لفضاء البديء. وهذا الكون فيه اشيائه الخاصة: فصلنا قوانين والمباديء ولا بد ان تبني مدينتك العقلية الخاصة التي فيها القاب واوسمة وتقييمات شخصية. ومؤشرات

الألقاب: ما اقصده بالالقاب الا ترمي بالفاظ مثل صديق- صديق مقرب-صديق حميم –انسان محترم- انسان فاضل-عالم جيد هكذا. انما تبنيها على مؤشرات. فمثلا يمكن ان يكون صديقك كل انسان مع انك تقبل باخوته الانسانية بشكل عام لكنه ليس صديقك وضوح الحدود والمعايير ضروري لبناء (كون داخلي) في عزلتك يمضي (كما تريد انت بالضبط). وهكذا دواليك

ما نقصده بالمؤشرات هو معرفة حالتك النفسية والمادية والبدنية. يكون لديك مقاييس معينة واحتياطات معروفة وهذه المؤشرات تتم عبر مصادقتك مع جسدك فمع ان الكون الذهني مبني في عقلك الا ان الجسد له افكار اخرى (هناك الف عصبون في الامعاء يمثل عقلا بمفرده –لهذا لا يخطئ الناس كثيراً لما يقول لك بطني قادتني). مختصر هذه النقاط هنا هو معاملة نفسك كدولة -بجميع مؤسساتها-.

معرفة جسدك واحتياجاته بدقة وعقد معاهدات معه ومعاملته بالحسنى وما الى ذلك ضروري جدا كي لا تنشب صراعات لأنه لو نشبت لن يريحك ولما لا يريحك سيدمر كل ما بنيته في عزلتك.

لا تطبق قوانينك الشخصية مباشرة على من هو حولك في عزلتك بل تدريجيا فقط حتى يتأقلموا عليها. وهذه النقطة تسير كالتالي ان طبقت ما اعلاه بشكل صحيح: (يحاولون قولبتك) (تفشل محاولاتهم) (يكررون المحاولات) (يحاولون فهمك) (محاولة قولبتك مجددا) (يحاولون التاقلم عليك كما انت ) (تفشل محاولاتهم) (يحاولون مجددا قولبتهم) (يستسلمون) (يتأقلمون معك) (يتقبلونك كما انت) وانا احدثك الان من المرحلة الاخيرة واذكرك انها ليست النهاية لكنها ليست موضوعنا كذلك هنا.

عزز دفاعتك في حصنك النفسي هذا. التعزيز ياخذ وقتا طويلا جدا. لكنه ضروري. (نظرا للمحاولات المتجددة التي ذكرناها في نقطة السابقة)؛ من تعليق لي على حسوب بتصرّف.

ومع أني في مقالي السابق الموجه للشاب بعمر 17 لم انصح بأي كتاب أو أضع روابط تحيل لشيء خارج النص الأصلي بحيث يتطلب قرائتها لفهم الصورة العامة، إلا أن الامر يختلف هنا لأن العشريني يحتاج إلى فعل كل ما في وسعه لتطوير نفسه واكتشافها وتأسيس ما سيبني عليه لاحقاً كل حياته. لذلك هذه قائمة أولية بسيطة تلميحية لأمور مفيدة في هذه النقطة:

هؤلاء في الحقيقة يكفونك كبداية إن التزمت (والالتزام تكلمنا عنه في النقطة الأولى) بتجريب وتطبيق ما يقولونه ويشيرون إليه؛ وبطبيعة الحال لا يقتصر الأمر عليهم فعقلك جهازك لا بد من تحديثه بين الحين والآخر. أتمنى لك كل التوفيق والنجاح في حياتك ومهما طال الزمن سيسرني أن أقرأ تعليقك بتحقيق ما تريده في كونك الخاصّ.

 

 

4 رأي حول “بماذا أنصح شاباً عشرينياً يعمل ويدرس، لكن يعاني من عدم الالتزام؟

شاركني أفكارك!